في الوقت الذي تشتد فيه الكربات في عالمنا العربي، و كأن ثمة شخص يطبق بيديه على رقبة شخص أخر، لا روحه ذهبت إلى بارئها، و لا أحد قادم لنصرته. هذا هو زمن حيث الأشرار ينتصروا، و الخونة أصبحوا أبطال، و الحقيقة أصبحت فتنة، و الدفاع عن الوطن أصبح إرهاب.
و كل يوم أظن أننا وصلنا لأرذل مستوى من أنحطاط للأنسانية، لكنني اكتشف أن ذلك الإنحطاط ليس له قاع. و قبل أن اشرح سبب المقدمة السوداوية يجب أن اتحدث عن رواية لستيفن كينج باسم "الهارب" الذي قصتها تدور في المستقبل البعيد حينما يكون وسيلة ترفية الأثرياء هو ان يشاهدوا هولاء الفقراء يخوضوا منافسة يتعرضوا فيها للقتل عبر برنامج واقع، نفس الفكرة تقريباً لسلسلة روايات مباريات الجوع، و قبل تلك الروايات، في الحقيقة قبل مئات السنين في العصر الروماني حيث كانت هنالك حلبات قتال للترفيه، و بين هذا و ذاك يتفق جميعهم أن لا بيد الجمهور يد لما يجري، الكل فقط يشاهد.
الكل فقط يشاهد.
الكل فقط يشاهد.
هكذا تبادرت إلى ذهني تلك القصص الخيالية، حينما ولجت حساب على تويتر لفتاة تدعى "بنا" تبلغ من العمر سبعة سنوات. هذه الفتاة تعيش في حلب، حيث القصف الروسي الهمجي اليومي. عبر هذا الحساب توثق تلك الطفلة يومياتها المرعبة وسط منطقة الحرب، و تلقت "بنا" العديد التعليقات و الكثير من المتابعين و بعضهم من مشاهير العالم. كلما غردت ببضع حروف أو صورة تتوسل فيها العالم، تخرج العديد من التعليقات مثل "ابقي قوية" و "دعواتنا لك".
هكذا إذاً..
هذا أخر ما وصلت إلية البشرية، مشاهدة فتاة ذو سبعة سنوات تصارع للبقاء، فتاة صغيرة ليست جزء من شخصية تلفزيونية أو تعيش في كوكب أخر، إنها معنا في نفس الأرض الذي نقطن فيه، و كل ما نملكه أن نشجعها و نرفع من معنوياتها و لا نحرك ساكناً و نحن نشاهدها تراوغ مرة تلو الأخرى الغارات الروسية و كأننا تماماً جمهور يشاهد أحد مباريات الجوع.
المضحك المبكي، أن الكاتبة المشهورة لروايات هاري بوتر "جيه كيه رولينج" قد اهدت للفتاة أحد كتبها، حسناً، يمكنها تتسلى قليلاً قبل أن تصيبها أحد القنابل، أنا لا أفهم مبدأ الدول الغربية التي تناجي بإدخال المواد الغذائية، و بالطبع لا اعتراض في ذلك، لكن ماذا عن القصف؟ لماذا لا يتم بذل مجهود لأيقاف المجازر؟ هل مشاعرهم الجياشة لا تريدهم أن يموتوا جوعاً لكن لا بأس أن يموتوا قصفاً و حرقاً و اختناقاً؟
أصبحت الحرب السورية الظالمة مجرد مادة إعلامية يتم أضافتها في النشرات الإخبارية، و هنالك المئات أمثال "بنا" الذين خسروا كل ما يملكوا لكن تم إعتبارهم مجرد أرقام لاحصائيات القتلى اليومية. مشكلة هولاء الشهداء أنهم لم يملكوا حسابات في تويتر أو لم تلتقطهم أحد الكاميرات و هم يعيشوا الفاجعة أثناء انتشالهم من الركام مثل عمران، أو ربما لم يدغدغ مشاعر العالم مثلما رقد إيلان على الشاطيء في تركيا.
هكذا، أصبح الضحايا مجرد عناوين أخبارية يتم تدوالها، و يذرفوا عليها دموع التماسيح، ثم بعد ذلك ينسوا كل ما حدث، و يستمر القصف و المجازر الإجرامية و كأن هذا هو الوضع الطبيعي الذي يجب أن نتقبله.
هذا الشعب عانى و لا يزال منذ أكثر من خمسة سنوات، و تعرض للويلات تحت أنظار العالم أجمع، أين نحن؟ ماذا نفعل؟
بالطبع، حاشا أن ألوم المسكينة "بنا" التي ولدت في عالم فقد فيه معالم الأنسانية، بل ألوم قرابة مئة ألف شخص يتابعها لكن لا يوجد أي ردة فعل، ألوم العالم أجمع الذي ينظر لسوريا منذ سنوات و لم يحرك ساكناً.
يارب قد اجتمع شرار الخلق، و وحوش الأرض في سوريا، رحماك أن تنجيهم من كربهم كما أنجيت المسلمون في غزوة حنين حينما ضاقت الأرض عليهم بما رحبت، و أن تخرجهم من نار الطائرات اللعينة مثلما أخرجت إبراهيم عليه السلام من خندق النار الذي أحدثت شراراً لم يكن له مثيل، و أن تجعل الأمواج و البحار مثل نسمات الهواء اللطيفة مثلما أنجيت موسى و نوح عليهم السلام من الطوفان و الغرق، و أن تخرجهم من ركام الأنقاض سالمين مثلما أنجيت يونس عليه السلام من بطن الحوت.
أمين.
1 التعليقات:
امين يارب العالمين
إرسال تعليق